ومن أشهر أئمتهم سعد الدين التفتازاني -وهم دائماً يستشهدون ويحتجون بكلامه، وهو متوفى سنة سبعمائة وثلاث وتسعين، وهو من أكبر -إن لم يكن أكبر- الأئمة عندهم في علم الكلام، وكتبه - كما في الأزهر الآن وغيره من الجامعات- في القمة، وهي الغاية، والذي يستطيع أن يفهم كلامه، أو أن يشرحه فإنه يكون عندهم قد بلغ غاية العلم، وله كتب كثيرة.
يقول التفتازاني عن موضوع النطق: (إن هاهنا مطلبين، الأول: أن الإقرار -أي: بالشهادتين- ليس جزءاً من الإيمان، والثاني: أنه -يعني: الإيمان- التصديق لا غير، والدليل على أن الإقرار ليس جزءاً من الإيمان هو: دلالة النصوص على أن محل الإيمان هو القلب، وما دام كذلك فلا يكون الإقرار الذي هو فعل اللسان داخلاً فيه).
والنصوص التي تدل على أن الإيمان محله القلب هي مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( التقوى هاهنا )، وكذلك قوله تعالى: (( أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ ))[المجادلة:22] وكذلك قوله: (( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ))[النحل:106]، فيقولون: إذاً فالإيمان محله القلب، وليس في الآيات ما يقتضي أن الإيمان محله فقط في القلب، لكنها تدل على أن الإيمان أصله في القلب، فإذا كتب في القلب فإنه يظهر على الجوارح، لكن لو عملت الجوارح أعمال الإيمان والقلب لا إيمان فيه؛ فإن ذلك لا ينفع؛ إذاً: فهذا لأنه هو الأصل هو الذي يؤمن أو يكفر في الحقيقة، لكن هم جعلوا هذا دليلاً على أن الإيمان محله القلب فقط.